سورة العنكبوت - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قوله تعالى: {وإِبراهيمَ} قال الزجّاج: هو معطوف على نوح، والمعنى: أرسلنا إِبراهيم.
قوله تعالى: {ذلكم} يعني عبادة الله {خير لكم} من عبادة الأوثان، {إِن كنتم تَعْلَمون} ما هو خير لكم مما هو شر لكم؛ والمعنى: ولكنكم لا تعلمون. {إِنَّما تعبُدون مِنْ دون الله أوثاناً} قال الفراء: {انَّما} في هذا الموضع حرف واحد، وليست على معنى الذي، وقوله: {وتخلُقون إِفكاً} مردود على {إِنما}، كقولك: إِنما تفعلون كذا، وإِنما تفعلون كذا وقال مقاتل: الأوثان: الأصنام. قال ابن قتيبة: واحدها وثن، وهو ما كان من حجارة أو جِصّ.
قوله تعالى: {وتخلُقون إِفكاً} وقرأ ابن السميفع، وأبو المتوكل: {وتختلقون} بزيادة تاءٍ. ثم فيه قولان:
أحدهما: تختلقون كذباً في زعمكم أنَّها آلهة.
والثاني: تصنعون الأصنام؛ والمعنى: تعبدون أصناماً أنتم تصنعونها. ثم بيَّن عجزهم بقوله: {لا يملكون لكم رزقاً} أي: لا يقدرون على أن يرزقوكم {فابتغوا عند الله الرِّزق} أي: فاطلبوا من الله، فانَّه القادر على ذلك.
قوله تعالى: {وإِن تكذِّبوا} هذا تهديد لقريش {فقد كذَّب أُمَمٌ مِنْ قبلكم} والمعنى: فأُهلكوا.


{أَوَلَمْ يَرَوا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر {يَرَواْ} بالياء وقرأ حمزة، والكسائي: بالتاء. وعن عاصم كالقراءتين. وعنى بالكلام كفار مكة {كيف يُبْدِئ اللّهُ الخَلْق} أي: كيف يخلُقهم ابتداءً من نطفة، ثم من علقة، ثم من مُضغة إِلى أن يتم الخلق {ثُمَّ يُعيده} أي: ثم هو يُعيده في الآخرة عند البعث. وقال أبو عبيدة: مجازه: أولم يَرَوا كيف استأنف الله الخلق الأوَّل ثم يعيده. وفيه لغتان: أبدأ وأعاد، وكان مُبدئاً ومُعيداً، وبدأ وعاد، وكان بادئاً وعائداً.
قوله تعالى: {إِنَّ ذلك على الله يسير} يعني الخَلْق الأول والخَلْق الثاني.
قوله تعالى: {قُلْ سِيروا في الأرض} أي: انظروا إِلى المخلوقات التي في الأرض، وابحثوا عنها هل تجدون لها خالقاً غير الله، فاذا علموا أنه لا خالق لهم سواه، لزمتهم الحجة في الإِعادة، وهو قوله: {ثُمَّ اللّهُ يُنشئ النشَّأة الآخرة} أي: ثم الله ينشئهم عند البعث نشأة أخرى. وأكثر القراء قرؤوا: {النَّشْأة} بتسكين الشين وترك المد. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {النَّشاءَة} بالمد.
قوله تعالى: {يعذِّب من يشاء} فيه قولان:
أحدهما: أنَّه في الآخرة بعد إِنشائهم.
والثاني: أنَّه في الدنيا. ثم فيه خمسة أقوال حكاها الماوردي.
أحدها: يعذِّب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة.
والثاني: يعذِّب بسوء الخُلُق ويرحم بحُسْن الخُلُق.
والثالث: يعذِّب بمتابعة البدعة، ويرحم بملازمة السُّنَّة.
والرابع: يعذِّب بالانقطاع إِلى الدنيا، ويرحم بالإِعراض عنها.
والخامس: يعذِّب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحبِّ الناس له.
قوله تعالى: {وإِليه تُقْلَبون} أي: تُرَدُّون {وما أنتم بمُعْجِزِين في الأرض} فيه قولان حكاهما الزجاج.
أحدهما: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا أهلُ السماء بمعجزين في السماء.
والثاني: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا لو كنتم في السماء وقال قطرب: هذا كقولك: ما يفوتني فلان لا هاهنا ولا بالبصرة، أي: ولا بالبصرة لو صار إِليها. قال مقاتل: والخطاب لكفار مكة؛ والمعنى: لا تَسبقون الله حتى يجزيَكم بأعمالكم السيِّئة، {وما لكم مِنْ دون الله مِنْ وليٍّ} أي: قريب ينفعكم {ولا نصيرٍ} يمنعكم من الله.
قوله تعالى: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه} أي: بالقرآن والبعث {أولئك يَئِسوا مِنْ رحمتي} في الرحمة قولان:
أحدهما: الجنة، قاله مقاتل.
والثاني: العفو والمغفرة، قاله أبو سليمان. قال ابن جرير: وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب.


ثم عاد الكلام إِلى قصة إِبراهيم، وهو قوله: {فما كان جوابَ قومه} أي: حين دعاهم إِلى الله ونهاهم عن الأصنام {إِلاَّ أن قالوا اقتُلوه أو حرِّقوه} وهذا بيان لسفه أحلامهم حين قابلوا احتجاجه عليهم بهذا.
قوله تعالى: {فأنجاه الله} المعنى: فحرَّقوه فأنجاه الله {مِنَ النَّار}.
قوله تعالى: {إِنَّ في ذلك} يشير إِلى إِنجائه إِبراهيم.
قوله تعالى: {وقال} يعني إِبراهيم {إِنَّما اتَّخذتم مِنْ دون الله أوثاناً مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {مَوَدَّةُ بَيْنِكُمْ} بالرفع والإِضافة. قال الزجاج: {مَوَدَّةُ} مرفوعة باضمار هي، كأنه قال: تلك مَوَدةُ بينِكم، أي: أُلفتكم واجتماعكم على الأصنام مَوَدَّةُ بينِكم؛ والمعنى: إِنَّما اتخذتم هذه الأوثان لتتوادُّوا بها في الحياة الدنيا. ويجوز أن تكون ما بمعنى الذي.
وقرأ ابن عباس، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، وابن أبي عبلة: {مَوَدَّةٌ} بالرفع {بَيْنَكُمْ} بالنصب.
وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {مَوَدَّةً بَيْنَكم} قال أبو علي: المعنى: اتَّخذتم الأصنام للمودَّة، و{بينَكم} نصب على الظرف، والعامل فيه المودَّة.
وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُم} بنصب {مَوَدَّةَ} مع الإِضافة، وهذا على الاتساع في جعل الظرف اسماً لِما أُضيف إِليه.
قال المفسرون: معنى الكلام: إِنَّما اتَّخذتموها لِتَتَّصِلَ المودَّة بينكم واللِّقاء والاجتماع عندها، وأنتم تعلمون أنها لا تضر ولا تنفع، {ثُمَّ يومَ القيامة يكفُر بعضُكم ببعض} أي: يتبرَّأ القادة من الأتباع {ويَلعنُ بعضُكم بعضاً} يلعن الأتباعُ القادةَ لأنَّهم زيَّنوا لهم الكفر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8